صوتكم
جمال الهاشمي
الصدمة الحضارية.. تأملات من كندا إلى المغرب
[email protected]
ياله من إحساس غير مريح، ذلك الشعور الذي يستشعره أحدنا بعد أن تطأ قدميه أرض وطنه، عقب فترة معينة بالخارج بنظام متقدم، قد تقصُر تلك المدة أو تطول، ولكن الصدمة تأتي على درجة الاقتناع بنقط معينة في النظام المتقدم والمجتمع الحديث عموما، أكثر من مجرد الانبهار بالجوانب المادية البراقة لحضارة الآخر.
لاشك أن التماهي بهذا الخصوص مع الحضارة المتقدمة يخلف صدمة، خاصة أن التكنولوجيا قد دخلت بشكل مفصلي في كثير من الأنشطة الاجتماعية لكل الفئات بغض النظر عن مستواها الاجتماعي كما قد يحصل عندنا..
إذ التكنولوجيا في المجتمع المتقدم وسيلة لدفع عجلة مجتمع عامل قارئ ملتزم بنظامه، وليست فقط تعبيرا عن رفاهية من نوع ما كما عندنا.
أما الصدمة التي أستشعرتها والتي أرى أنها أكثر عمقا ودلالة ولمسا للمشاعر، واستفزازا للأفكار والمدارك، فهي تخص الجانب القيمي في الحضارة، ودون أن نزعم أنها حضارة الغرب حضارة قيم بدرجة أولى، غير أنها حضارة مظاهر قيمية راسخة، ومساطر وتعليمات بالدرجة الأولى، ولكن تتقن الالتزام بمظاهرها بما يخدم نظاما هي تصنعه، فإن كان التهذب والأدب في العلاقات العامة هو من أخلاق المرء التي يُفترض أن يتربى عليها ويمارسها بتلقائية، فإنها في الغرب نموذج –كندا- ليست فحسب كذلك، بل يمكن أن لا تكون كذلك بالأصل، ولكن يكفي أنها ركائز يربى عليها المواطن بدء بنظام تعليمي صارم يلقن تلك القيم على شكل تعليمات، مرورا بنظام قانوني تنظيمي دقيق يوصل هذه القيم إلى درجة الالزامية ولا يربطها فقط بنوع التربية أو بيئة الشخص، فأن يبادرك الموظف أي موظف بالتحية، هو أمر مفروض ويجب أن يكون ضمن كفاءات الموظف التي يجب أن يتقنها ولا يغفلها أبدا، كيف وهي من حقوق الزبون ومرتفق المرفق العام في أي مكان.
غير أن ذلك والحق يقال يخلف ارتياحا كبيرا ويجعل المرء أقل توترا، رغم أننا يجب أن نعلم وخاصة لدا المجتمع "الكيبيكي"، فإلقاء التحية في الشارع العام ليس شائعا بالمرة بل هو قليل.. فكل شيء بهذا المجتمع منظم ولا مجال لاختلاق أي شيء.
ليطرح بهذا الصدد سؤال قيمي مقلق، هل قيم التعامل اللائق والانساني يجب أن تنبع من الدين أم التربية أم القانون؟ وهل من سبيل للاستفادة من كل ذلك في ترسيخ القيم الراقية في الاسرة والمجتمع والإدارة؟ لعله التحدي الذي يواجهه الغرب ذاته.