أضيف في 13 يوليوز 2014 الساعة 21:01
الناقدة والأستاذة الباحثة سعاد مسكين في حوار حصري
 |
حاورها: سعيد فجار سعاد مسكين واحدة من الأقلام الأكاديمية الفذة التي تشق طريقها بقوة في مجال النقد، اختارت الابحار في نقد القصة القصيرة وسبر أغوارها، باحثة حاصلة على شهادة الدكتوراه في السرد العربي ،تشتغل باحثة في مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، خصت جريدة "صوتكم" بهذا الحوار المتميز. صوتكم: قد يكون السؤال مألوفا، لكن لابد منه، فمن تكون سعاد مسكين الناقدة والأستاذة الباحثة المبدعة؟
سعاد مسكين: سعاد مسكين كائن يبحث عن نفسه في مجال البحث العلمي، رحالة سندبادية في متون السرد العربي قديمه وحديثه. تعشق الجمال في الأدب والطبيعة والإنسان، وتحب الفضاءات التي تعج بالسعادة والهدوء، تنتصر للحب والصدق، وتسعى إلى أن يعيد الفكر العربي حضوره الوهاج.
صوتكم:تعد القصة القصيرة جدا من الأنواع المستحدثة في أدبنا العربي عامة ، والمغربي خاصة، مما يطرح بإلحاح سؤال التجنيس والتأسيس، ولعلك من النقاد الذين حاولوا استجلاء هذا الأمر، من خلال كتابك-القصة القصيرة بالمغرب: تصورات ومقاربات- حدثينا عن أهم القضايا التي طرحتها من خلال هذا الكتاب، وعن بداية القصة القصيرة جدا بالمغرب؟
سعاد مسكين: حاولت في الدراسة المعنونة بالقصة القصيرة جدا في المغرب – تصورات ومقاربات- أن أطرح إشكاليات تتعلق بالقصة القصيرة جدا باعتبارها نوعا سرديا يندرج ضمن جنس كلي هو القصة، وما حضوره في الساحة الثقافية المغربية والعربية إلا تطويرا لأشكال الكتابة في القصة في إطار ما يسمى التجريب في الكتابة القصصية، وقد عمدت أن أبرز عناصر التشابه والاختلاف بينه وبين أنواع سردية أخرى قريبة منه في إطار الحسم في مسألة تجنيسه نظريا، كما عملت على إبراز علاقة النقد والمؤسسة الأدبية بهذا النوع السردي الذي أثار جدالا كبيرا حول ما إذا كان مجرد ظاهرة آيلة إلى الزوال أم أنه لبنة أساس تؤثث نظرية الأنواع السردية. وخصصتُ قسما من الدراسة إلى دراسة نصوص قصصية بغاية استنباط الخصائص الفنية والمعايير الأدبية التي تحكم تشكل القصة القصيرة جدا بعيدا عن معياري الكم والقصصية.وآمل أن يكون الكتاب قد أفاد بالغرض وقدم رؤية تصورية ونظرية حول هذا النوع السردي الذي حتما سيسهم إلى جانب أنواع سردية أخرى سابقة عنه (القصة القصيرة والرواية) في إبراز رؤى جديدة في المشغل السردي العربي، ويخلق آليات جديدة في الكتابة السردية.
صوتكم:أصدرت مؤخرا كتابا نقديا تحت عنوان:-خزانة شهرزاد-حاولت من خلاله التأسيس لنظرية عربية للأنواع السردية، هل يمكنك ان تحدثينا عن أهم صنا فاتها، وأهم مقومات هذه النظرية الجديدة، ولماذا كان الاختيار على قصص ألف ليلة وليلة بالخصوص؟
سعاد مسكين: يعد كتاب"خزانة شهرزاد، الأنواع السردية في ألف ليلة وليلة" الصادر عن دار النشر رؤية، 2012. ثمرة بحث أكاديمي، يتعلق الأمر بكونه في الأصل عبارة عن أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه التي أشرف عليها الناقد سعيد يقطين. وقد اخترت ألف ليلة وليلة على الرغم من الدراسات الكثيرة التي أنجزت حولها إلا أنها عمل سردي متجدد إذ يفرض عند كل قراءة أسئلة جديدة نظرا لغناه من حيث المتن الحكائي، وتنوعه من حيث الخطاب، واختلاف طرق التخييل.ونعلم أن بنية هذا الكتاب الضخم تقوم على السرد مقابل الحياة إذ ستحكي شهرزاد في كل ليلة حكاية وكل حكاية أغرب من أخرى كي تنعم بالحياة وتبدد من ذهن شهريار فكرة الانتقام للخيانة. وأمام هذا الزخم من الحكايات كان لا بد من إعادة ترتيبها من حيث الجنس الكلي الذي هو السرد والأنواع السردية المندرجة تحته، فخلصت باعتماد معيار "الصيغةّ" إلى أن الليالي عبارة عن خزانة من الأنواع السردية تحتاج إلى التصنيف، فكانت الصنافة تتوزع بين الأنواع السردية البسيطة( الخبر: أخبار البلاد، أخبار العباد، المناظرة/ والحكاية: الحكاية الجادة، الحكاية المرحة، الحكاية العجيبة)، الأنواع السردية المركبة:( القصة: قصص الشطار، وقصص العشاق/ السيرة: السيرة الشعبية)، الأنواع المختلطة: ( الرحلة الوجودية، الرحلة التجارية، الرحلة السفارية/ الأمثولة: قصص الحيوان، والقصص التمثيلي). وأنهيت العمل بإعادة فهرسة "الليالي" عبر وضع كل حكاية ضمن نوعها السردي .
صوتكم: في نظرك، هل النقود التي تناولت القصة القصيرة جدا بالمغرب استطاعت إلى حد ما، تحقيق الألفة بينها وبين القصة، وملامسة تخوم التخصص حولها؟
سعاد مسكين: إن المتتبع لنقد القصة القصيرة جدا في المغرب لَيلمس أن النقد صار يعيش مأزق تطور الأسئلة حول القصة القصيرة جدا إذ صرنا نجد مقاربات نمطية لا تخرج عن دراسة الموضوعات أو التقنيات الحكائية ولم تنفتح على آفاق جديدة في البحث والدراسة لتهتم بالمقاربة النفسية أو الأنتروبولوجية أو الاجتماعية، أو الرقمية... ويمكن تسجيل الملاحظة نفسها حول مقاربة القصة القصيرة، لأننا إذا استثنينا الدراسات الرائدة حول القصة المغربية ( أحمد اليبوري، أحمد المديني، عبد الرحيم مودن، نجيب العوفي ، أحمد بوزفور...) لا نجد دراسات تحمل مشروعا يقارب القصة بمراعاة خصوصيتها وبنيتها، ونرد الأمر إلى ثلاثة عوامل: 1- التسلح بتقنيات دراسة الرواية ومحاولة تطبيقها على القصة في حين أن الأمر يدعو إلى توليد مفاهيم وتقنيات من صلب رحم القصة كي لا نُشرح فراشة بساطور لأنه حتما سيهشمها ويشوه ملامحها. 2- غياب مشاريع علمية وأكاديمية تهم القصة بنوعيها القصيرة والقصيرة جدا، فمجمل الدراسات عبارة عن تجميع لمقالات كتبت في مناسبات مختلفة فيوضع لها تقديم وتركيب وتصبح كتابا نقديا. 3- غياب النقد التصحيحي الذي يُقوّم الأعمال القصصية التي قد لا ترقى إلى جمالية وشعرية القصة بنوعيها القصيرة والقصيرة جدا. الشيء الذي يشيع الرداءة والاستسهال في إنتاجهما.
صوتكم:قليلة هي الانتاجات الأدبية في القصة، وغيرها لماذا لازلت لحد الآن لم تقتحمي عالم الكتابة الإبداعية بالموازاة مع الكتابة النقدية؟ وما رأيك في أولئك الذين يزاوجون بين الإبداع والنقد؟
سعاد مسكين: صراحة لدي بعض الخربشات في القصة القصيرة، وأطمح إلى كتابة الرواية لكن لم يحن الوقت بأن أكون مبدعة، ربما لأنني لم أصل بعد مرحلة النضج التي تقنعني بعمق ما أكتب، حينما يتحقق لدي بعض الرضا على ما أكتب، وأقتنع بخربشاتي على أنها إبداع، ربما في المستقبل البعيد( ليس القريب طبعا) أجمع بين الإبداع والنقد. وعن الكُتاب الذين يجمعون بين الإبداع والنقد، فحتما النقد له أن يؤدي إحدى هاتين الوظيفتين: الوظيفة الأولى: قد يخدم النقد تجربتهم الإبداعية، ويشكل إضافة نوعية لوعيهم بماهية الكتابة وجدواها وكيفية تطور أشكالها وأبنيتها. الوظيفة الثانية: قد يخرب النقد العملية الإبداعية فتطفو الميتالغة على سطح الإبداع فتغيب بذلك الجمالية، ويفقد النص الإبداعي روح الحياة، وفي أحيان كثيرة تتحول الكتابة إلى تمارين تجريبية لا إحساس فيها ولا حياة.
صوتكم:حضيت بعدد من التكريمات والاحتفاءات، سواء من طرف جامعة المبدعين المغاربة، أو من خلال منتدى المواطنة مؤخرا بالدار البيضاء، بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، ماذا يعني لك هذا التكريم خاصة وللمرأة الأديبة عامة؟
سعاد مسكين: أشكر جمعية المبدعين المغاربة، وجمعية الأنصار بخنيفرة، وجمعية جسوربالناظور، ومنتدى المواطنة بالدار البيضاء، على هذه الالتفاتة التي حضيت بها. أعترف أنني في بداية مشواري العلمي والأكاديمي، ولم أُراكم بعد الكثير من التجارب النقدية لكنني أرى في هذه المبادرة تحفيزا لي على العمل الجاد، ومنحي دفعة قوية كي أجدد أسئلة أبحاثي، وأطور أساليب كتاباتي النقدية، كما تكرس مثل هذه المبادرات ثقافة الاعتراف بإبداع الشباب الذي له أن يقول كلمته بالفعل والقوة داخل المشهد الثقافي المغربي، وضمنيا، يمثل التكريم اعترافا بالمرأة المثقفة المغربية بكونها كيانا منتجا فكريا وثقافيا وإبداعيا بعيدا عن ثقافة الجسد أو الانتماء الحزبي.
صوتكم:ما هو تقييمك للكتابة النسائية بالمغرب عامة، سواء من حيث كم الانتاجات الأدبية والنقدية، أو من حيث قيمتها العلمية؟
سعاد مسكين: صارت الكتابة النسائية في المغرب تفرض نفسها سواء من حيث التجارب الإبداعية أو المقاربات النقدية، صحيح أن هناك تفاوت كمي بين كاتبات الإبداع وكاتبات النقد لكن لا يمكننا إلا أن نتفاءل بحضور أقلام نسائية قوية ومجددة في الإبداع الروائي والقصصي والشعري. أقلام يحق لنا الوقوف على تجاربها باعتبار ما حققته من تراكم في الإصدارات، وتطور في مسار الكتابة، ولا بأس في هذا المقام أن نذكر بعض الأسماء على سبيل التمثيل: ربيعة ريحان، لطيفة لبصير، زهور كرام، مليكة نجيب، لطيفة باقا، زهرة رميج، فتيحة مورشيد، صباح الدبي، فاطمة الزهراء بنيس، علية الإدريسي، فاطمة الزهراء الرغيوي، .....
صوتكم:عامة ما يعتبر الناقد جلادا للنصوص، إلا أن المتتبع لكتاباتك النقدية لا يجد فيها هذه الصفة، ما السر في ذلك؟ وكيف استطعت المزاوجة بين عمق التحليل ويسر الخطاب؟
سعاد مسكين: تقوم تجربتي النقدية المتواضعة في مقاربة الأعمال الأدبية على منطق منح النص فرصة لكي يتنفس هو أيضا أثناء تفاعلي معه لحظة القراءة، وفي هذا التفاعل التذوقي والحميمي تختفي طبقات المرجع النقدي من مفاهيم ومناهج كي أعطي للنص فرصة توليد بعض التقنيات النقدية من داخل العمل نفسه. فلا ينحصر وكدي على تحقق النظريات والمناهج في الدرس الأدبي وإنما أعمل على استثمارها أو الاستئناس بها من أجل فتح النص الإبداعي على آفاق جديدة يتفاعل فيها النقد مع الإبداع حتى لا يظل النقد مجرد علم وتقنيات نعمل على تطبيقها بل يمكنه أن يكون علما وفنا في الآن نفسه، وربما هذا هو رهاني من مقالاتي ودراساتي المزاوجة بين العلمية والفنية.
صوتكم:هل لك مشاريع نقدية في المستقبل؟ وما طبيعتها؟
سعاد مسكين: طريق البحث العلمي صعب وشائك، ومفاوزه لا تنتهي إلا بانتهاء العمر، ومشاريعي العلمية لن تخرج عن مجال اشتغالي في السرد المغربي والعربي، نأمل في أن تكون إضافة نوعية إلى الخزانة النقدية المغربية والعربية.
صوتكم: ما هي رسالتك إلى المبدعين عامة والنقاد خاصة؟
سعاد مسكين: ما يمكن أن أوجهه للمبدعين والنقاد أن العلاقة بين النقد والإبداع ليست علاقة تصدع أو صراع وإنما هي علاقة تكامل فلا يمكن للنقد أن يطور أسئلته وأدوات اشتغاله دون نصوص إبداعية جيدة وجديدة تثير الأسئلة، وتحفز على الحفر المستمر للبحث عن معارف منهجية متطورة ومستحدثة. كما أن الإبداع لا يمكنه أن يتقدم دون وجود نقد متتبع للمنجز الإبداعي، ويحرص على إظهار جمالياته وفي الآن نفسه تقييم وتقويم الأعمال الإبداعية كي يراهنا معا على جودة المنتج الإبداعي.
|
|
|