أضيف في 26 مارس 2014 الساعة 05 : 22
المثقف المغربي القول عنه والقول فيه
 |
عمر قيلاني |
قد تشاطروني الرأي إذا ما قلت لكم، أن المثقف كان أبرز الغائبين عن مسرح الحراك المجتمعي الذي عرفه المغرب في سياق ما يعرف بالربيع الديمقراطي، في مقابل ذلك كان رجل السياسة حاضر بقوة في تحريك و تشكيل خارطة مطالب المجتمع، ومعلوم أن كل مثقف سياسي لكن ليس كل سياسي مثقف. بمعنى أن رجل السياسة نظرته وطموحاته سطحية وضيقة بضيق الإطار الحزبي الذي ينتمي إليه، بينما المثقف هو رجل قضايا كبرى تتجاوز الحزبية والعصبية والإنغلاق.
لكن لماذا هذا المثقف المغربي حاز خيار الصمت واللاكلام في لحظة انتقالية من تاريخ المغرب المعاصر، ولماذا تهرب عن دوره الاستراتيجي لصالح فاعل سياسي جعل من الديمحرامية فلسفته في الإصلاح، هل المثقف المغربي غير مؤهل ليكون قوة اقتراحية تعبر عن مطالب مجتمع تاق إلى الحرية والكرامة والعادلة الاجتماعية؟ كيف لمجتمع أن ينشد نهضته وأبرز نخبه خارج إطار الفعل والمساهمة؟؟
قبل الخوض في هاته الإشكالات المفخخة، أولا ينبغي أن نحيط على سبيل توجيه النقاش بكلمتي ” ثقافة” و “مثقف” من حيث الدلالة والحمولات المعرفية والسلوكية، كما ينبغي فقه أدوار المثقف ومن أين تبدأ وأين تنتهي.
ما هي الثقافة ؟
يقول الدكتور حامد عمار في تعريفه للثقافة ” أنها جملة من الأفكار والمعارف والمعاني والقيم والرموز والمشاعر والانفعالات والوجدانيات التي تحكم حياة المجتمع في علاقته مع الطبيعة والمادة وفي علاقات أفراده ببعضهم وبغيرهم من المجتمعات” ويعرفها المفكر الاسلامي مالك بن نبي بكونها ” مجموعة من الصفات الخلقية، والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح – لا شعوريا –العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه”.
ومن التعاريف الغربية المشهورة للثقافة هناك تعريف إدوارد بيرنت تايلور إذ يقول بأن الثقافة هي ” ذلك المعقد أو المركب الذي الذي يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات، وكل المقومات الأخرى التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع” ويقول إدواله هيريو ” الثقافة هي ما يتبقى عالقا بالأذهان بعد أن ننسى كل شيء تعلمناه على مقاعد الدراسة ” وبالتالي يمكن القول أن الثقافة هي التكوين المعرفي التراكمي الذي يتألف من القيم والسلوكيات المكتسبة من مجموعات من الناس وتناقلتها الأجيال، الثقافة هي مجموع المعارف والقيم الحاكمة للسلوك الإنساني.
الثقافة لا تعكس تصورا فرديا محضا، بل هي صورة لمجتمع كامل وأمة أسرها، وهي الوجه البارز للحضارة، فإذا أردت أن تعرف عناصر حضارة مجتمع ما، فانظر في الثقافة السائدة ين أفراده، فالثقافة هي دلالة المجتمع على مدى التخلف أو التقدم. الدول والشعوب التي تنتج القيم الثقافية الصحيحة هي الأمم التي تترك أقوى البصمات الحضارية على العصر وذلك من خلال توظيف المعلومات للعيش والارتقاء الحضاري. من هو المثقف؟
يعرفه الكاتب والمفكر إدوار سعيد بأنه ” فرد يحمل دورا محددا، ومسؤولية، تجاه مجتمعه ولا يمكن أن يسمح بأن يقل نشاطه ليصبح مجرد ساع وراء مكاسبه ومصالحه الشخصية” المثقف هو الإنسان الذي انتقل من دائرة الاهتمام الذاتي ( حب الذات ) إلى دائرة الاهتمام الجماعي ( نكران الذات )، بحيث يصبح رجل قضية ومهمة تتجاوز اهتماماته ومطامحه ومطامعه الخاصة.
المثقف هو ضمير الأمة والناقد الاجتماعي، وفي تعريف آخر للدكتور محمد عابد الجابري : المثقف هو كائن فردي له وعي خاص ورأي خاص ورؤية للعالم خاصة. عموما المثقف هم من يملك رؤية نقدية وإصلاحية خاصة، ووعيا خاصا بمجتمعه والعالم من حوله. إن المثقفين هم عقل الأمة وضميرها والمعبرون عن أوجاعها وأحزانها وأفراحها وآمالها وأشواقها وتطلعاتها، وما داموا فإنهم من أكثر من يملك أدوات التغيير والتجديد وأساليبه، ومن أقوى من يؤثر في وعي الناس وعقولهم واتجاهاتهم ووجدانهم. من أدوار المثقف، أنه يضفي روح و معنى لإبداع المبدع، وان يبصم بالتنويه لإصلاح المصلح، وأن يرحب بتجديد المجدد ما لم يمس سلبا المقدسات والحقائق الدينية. وأيضا من مهامه الشجب والتنبيه من مزالق و عواقب تصرفات المفسد، حتى وإن قدم حياته ثمن نشر الحرية والديمقارطية وتشكيل وعي المجتمع الذي ينتمي إليه .
ويلاحظ أن مختلف محاولات تعريف المثقف لم تغفل أن يشتمل على سعيه إلى التغيير والتطوير من خلال نقده للواقع، ولذلك اعتبره سارتر ( الضمير الشقي) لأنه لا يرتاح للأمر الواقع ويسعى دائما إلى تفسيره وتغييره، إذ لا يقف عند حدود معرفته وتخصصه العلمي، ولكن أفقه الفكري يمتد ليشمل الاهتمام بكل ما هو وطني وإنساني، كذلك يتميز بالعقل الناقد والقلق، فالحقيقة لديه مفتوحة ومتجددة وليس مجرد وثوقيات نهائية. ومتى أصبح المثقف ملكا للأمة والمجتمع فإن عليه أن يكون نموذجا ومثالا، حتى يكون أقدر على التأثير فيهم، إذ لا بد أن يكون ملتزما بما يعبر عنه من أفكار، وأن يتوافق سلوكه مع معتقداته التي ينادي بها، ومتى خالف ذلك انفض الناس من حوله ولم يعد ممثلا لهم أو معبرا عما يجيش في خواطرهم.
المثقف المغربي ما له وما عليه ..
عندما نتكلم عن المثقف المغربي فنحن بصدد الحديث عن عنصر مهم يشكل نخبة المجتمع المكونة من مفكرين وفلاسفة وعلماء وفنانين … وأكيد أن إنتاجهم الفكري وإبداعاتهم الفنية، موجه بدرجة أولى إلى تشكيل وعي الأفراد وتجديد سلوكهم وتنمية فكرهم. فهو يساهم في نقل أفراد عامة المجتمع من دائرة الخواء والفراغ الثقافي إلى دائرة المعنى والإنتاج الثقافي الحضاري. فهو يعمل على تغيير قناعات المجتمع السلبية والهابطة التي تشكلت في لحظة تاريخية سالفة، سمتها الضعف والتخلف والتبعية والاستسلام للوصاية الفكرية التي مارستها القوى الامبريالية على دول العالم الثالث ومنها المغرب. لكن ما سبب غياب المثقف المغربي عن سياقات المشهد الإصلاحي المغربي الحديث، هل المثقف انصهر في بوتقة السلطة وسار أحد أذيالها في تقويض حركية المجتمع وشل حريته. بمعنى أن الدولة المخزنية بالمغرب عملت منذ فجر الاستقلال على احتواء وتدجين هاته الكتلة الميتة الحية، فصارت تطبل وتزمر لغناء السلطان على حساب أحزان وأنين المجتمع المترهل والمسحوق.
الأسلحة والحروب لا تدمر الأمم والمجتمعات بقدر وشكل الدمار الذي تخلفه الأفكار السامة التي ينتجها مثقف البلاط في شكل مقررات وبرامج تكوينية وتعليمية، التي تعطل إنسانية الإنسان وتجعله مجرد شيء من الأشياء. هناك صنف من المثقفين فضلوا حياة النرجسية والعزلة والابتعاد عن هموم المجتمع وانشغالاته. لكن أمل المغرب في شبابه، هذا الشباب الذي أبان خلال الحراك المجتمعي الأخير، عن شجاعته وقدرته على مواجهة الواقع الراكد، فهو مؤهل للعب دور ذاك المثقف المنتظر المخلص من بؤس الانتصار، فما ينقص إلا التكوين والتأهيل والتعليم والإرادة الثقافية. في الأخير أقول أننا في حاجة إلى الانتفاضة الفكرية والثقافية للنهوض من الهزيمة النفسية، نريد بث روح الاستعلاء والقوة. نريد بناء إنسان جديد فخور بأصالته، متفاعل مع عصره، إنسان فاعل وليس منفعلا. يستطيع بكفاءته وعقيدته المنافسة في ميدان الحياة
|
|
|