حين نتبع الدول الغربية نرى أن جميع مشاريعها ركزت على التحكم في العالم الاسلامي , دون استئنافه لدور الريادة من جديد , و الاشتغال الدؤوب و العمل المتقن في ثلاثة ميادين محددة في : الاستشراق , التنصير و الاحتلال . وهي ميادين أنفقت الدول الغربية و لازالت رغم علمانيتها تنفق فيها و عليها بلايين الدولارات , و تتبعها بالحماية و العناية حتى لا ينفلت من يدها زمام التحكم في شعبها و دولتها .
ما هو التنصير ؟ و كيف وقع في فخه المغرب ؟ و ما هي انعكاساته ؟
في هذا المقال أردت تسليط الضوء على جانب من موضوع في المغرب خصوصا بعد هذا الانفتاح الهائل الذي يعرفه بلدنا , على كل المستويات و هذا الضغط المستمر على الدولة من طرف الغرب حتى توقف متابعتها و ضبطها للنشاط التنصيري , الذي يعرف حركة دائمة و دعما كبير و قويا من طرف الدول الأروبية و أمريكا . لاسيما بعد هذه الهجرة المتدفقة و المستمرة لشعوب دول افريقيا خلال السنوات الأخيرة , و ما تلاها من اصدار قوانين قصد أوضاع الاقامة القانونية للمهاجرين الأفارقة في المغرب .
أكيد أن موقف الدولة من تواجد هذا الكم الهائل من الأفارقة فوق التراب الوطني , تمليه مصالح اقتصادية , سياسية و ديبلوماسية لكن لا يتصور ألا يكون لهذا الوضع انعكاسات سلبية و آثار خطيرة على مستوى الاجتماعي , الصحي , الأمني و العقدي . و يبدو أن هذه الانعكاسات ستنفجر في وجه وحدتنا الترابية , خصوصا اذ لم يتحمل كل من يهمه أمر ستقرار البلاد , سواء كانت على مستوى الشعب أو على مستوى الحكومة و المؤسسات .
لا أقول هذا من باب المبالغة , بل هو واقع يِؤكد أن هناك مشروعا ممنهجا يروم إلى خلق مجتمع نصراني في المغرب . بدأ هذا الأخير من حصول المنصرون على ترخيص في تأسيس معهد لتكوين مكونين مسيحيين , و يستهدف من خلالهم الأفارقة ليكونوا في خدمة الكنيسة بالمغرب .
و بالفعل شرعوا يدرسون القرآن و تاريخ العلاقات بين النصرانية و الاسلام , و قد تم وضع برنامج جاد و شامل على مدى سنين , و أكيد هذا البرنامج لن يقف عند حد تمكين المسيحيين الأفارقة من الاندماج في المغرب , كما توهمنا تصريحات مسؤولي المعهد في ورقة تعريفية : فالكنائس لم توجد في بلداننا تاريخيا الا لأهداف سياسية و توسيعية لا زالت الدول الغربية رغم علمانيتها تنفق عليها و تدعمها .
و ان تبني الدول العلمانية للائكية المتشددة داخل بلدانها و اهتماماتها منقطع النظير بالنصرانية و التنصير في الدول التي لها فيها مصالح استراتجية , يبرر لنا ماهية النشاط الكنسي و خطورته على البلاد , لا سيما عندما نرى تحالف خطير بين الكاثوليت و التروتستانت و الأنجليين , رغم تناقض معتقداتهم و مناهجهم التنصيرية ,
حيث استطاعوا أن يوجدوا اطار مؤسساتيا يوجد بين جهودهم التنصيرية لغزو المغرب .
و رغم أن الكنيسة الانجيلية الأمريكية المعروفة بنشاطها التنصيري المحتدم في تنفيد مشروعها , و رغم أنها كانت على الدوام موضوع مراقبة من طرف الأمن , الأمر الذي جعلها تعيش في توتر دائم مع السلطات المغربية و وصل هذا التوتر الى حد طرد نشطاتها , فاننا نراها اليم استطاعت أن تجد لنفسها اطار تخرج فيه نشاطاتها علانيتا , حيث اختارت لتنفيد مخططها و تطوير عملها بالتنسيق مع الكنيسة الكاثوليكية التي لم تحظ باعتراف رسمي الا بداية الثمانينيات . و الدولة حاولت جاهدا ضبط الشأن الديني لكننا نلاحظها اليوم في كامل ضعفها و تسامحها مع المنصرين , حيت أصبح المنصرين ينتشرون بين المغاربة و يخالطونهم في أحياء , الكليات ... و في المجتمع بصفة عامة .
هذه الانعكاسات ستسبب أزمة دينية , و هذا ليس من باب المبالغة , لأن التطور الذي يطرأ على أرض الواقع يؤكد وجود مشروع ممنهج لتشكيل مجتمع نصراني متكامل , يطالب بحقه في ممارسة شعائره الدينية و الدعوة الى عقيدته الصليبية . و سيفرض واقعا مدعوما بمطالب العلمانيين الحقوقيين , لتغيير القانون الجنائي الذي يحضر النشاط التنصيري , و المطالبة بالتمثيل البرلماني , و حق المنصرين المغاربة في تقرير مصيرهم , ستتدخل منضمات حقوقية علمانية لدى الأمم المتحدة للضغط على الحكومة المغربية من أجل حماية الأقلية النصرانية المغربية من الإضطهاد , و حماية حرية الإعتقاد , و سنرى وزارة الأوقاف تتقاسم مع اليهود و النصارى مواقفهم , و قد تغير إسمها إلى وزارة الشؤون الدينية بدل الإسلامية , لتشمل المؤمنين بعقيدة التوحيد مع الذين يعتقدون أن عيسى ابن الله , و الذين يقولون إن عزيزا ابن الله .
حين نتمعن في هذه التنازلات في ميدان التنصير يمكن أن نقول أن الدولة تعيش إكراها سياسيا , و ضغط ديبلوماسيا , لكن هذا لا يعفيها من المسؤولية فيجب تنبيه إلى ضرورة خلق رأي عام مندد بالنشاط التنصيري , و استنفار العلماء من أجل التصدي للمنصرين , ويجب تعبئة كل الغيورين على دينهم لوضع برنامج لاستيعاب المهاجرين الأفارقة و دعوتهم للإسلام حتى يتم إدماجهم بطريقة لاتهدد أمن بلدنا و استقرارها .
طالب _ عبدالحق حمدان